قصر البيت الحنوب بمديرية قشن

22/11/2022
شارك هذا الموضوع:

لمحة تاريخية عن قصر البيت الحنوب م / قشن ( لسلطان عبود بن سالم بن عفرار ) . enter image description here خرجت فكرة الاهتمام بالمباني و القصور بعد أن خفت حدة الفتوحات الإسلامية و بعد أن أخلد معظم العرب إلى السكينة و السلم ، و لم تخرج هذة الفكرة إلى حيز الوجود إلا من ايام الخليفة الثالث عثمان بن عفان حيث بدأت الثروات تتدفق من كل صوب ، و بدأ العرب يخرجون من بداوتهم و يستبدلون دورهم القديمة البسيطة بقصور فخمة منقمة الجدران و موزونة الأبعاد . حيث مثلت قشن منذ القدم جزأ لا يتجزأ من كيان شبة الجزيرة العربية التي تحمل في جغرافيتها و سلوك أبنائها خصوصية المكان ، لا سيما في أنماط عمارتها و أشكال بيوتها و طرقها المرتبطة ارتباطاً و ثيقاً ببعضه البعض .

يعد قصر بن عفرار من أكبر القصور ومن أهم أنماط المباني و أكثرها تميزاً في قشن الذي لا يزال نوره يسطع في نواحي قشن ضارب بصمته الجمالية التاريخية على جذور أركانه المشيده نتأمل فيه عراقه تاريخ بلاد مهرة و سلطنة دولة آل عفرار التي تعد تاريخ شامخ للوحدة المهرية آنذاك . و قرعت على ارجاءها تاريخ دولة تعرضت لمشاحنات و صراعات و ظلت القصور بمثابة درع يحتمي به السلطان و يلجأ إليه من الحروب ؛ ورمزاً لتخليد أسمائهم و ذكراهم و عنواناً لبعض منجزاتهم و انتصاراتهم و صمودهم كونه يعود إلى أقوى العائلات التي سيطرت على مدينة قشن .

و برزت أسماء شخصيات سلطانية حينها من آل عفرار كان لهم دور مهم في مدينة قشن وفي حكمها و إدارتها ومنهم : عبود بن سالم بن عفرار . وبحسب المصدر الشفهي الأستاذ حامد عفرار أحد القائمين على القصر أشار أن بنئ عبود قصر البيت الحنوب على مساحة شاسعة في منتصف مدينة قشن عام 770 هجريا و يعد المؤسس و المشيد الأول لبناء القصر الذي مثل عهده أوج العهود ازدهارا وحضارة و كان اختيار موقع مكان القصر التي تمليه من الناحية الجغرافية و المتطلبات الاستراتيجية للسياسة المحلية .

تميز قصر السلطان بن عفرار بمدخل رئيسي فخم( البوابة الرئيسية الأولى) تمثل كمدخل أساسي واحد فقط للقصر ببوابته الخشبية الكبيرة المزخرفة إذ يتوسطه باب صغير قليل الارتفاع يستخدم للاستعمال اليومي ؛ و يتم فتح البوابة الكبيرة فقط بالمناسبات أو لدخول خيول السلطان آنذاك . إذ يوجد بجانب البوابة قلعة اسطوانية الشكل مقسمه لقسمين قسم سفلي يتم لتجفيف التمور و يعلوها غرفة المراقبة التي تعد مركز لحراسة السلطان مجهزه بتصميم عسكري حربي للحماية من ضربات العدو الخارجي مشكلا كل جهة بفتحات لفوهات البنادق تسمى ( بالمواشق ) متميزه فتحات مواشق قصر السلطان عن بقيه القصور حيث أن فتحاته من الداخل واسعة جدا ومن الخارج ضيقة لإدخال المدافع و البنادق بأريحيه وتحديد الهدف و لحماية الجنود من الضربات الخارجية .

أن من أهم السمات المعمارية الموجودة في القصر هو وجود ساحة (فناء سماوي ) أي حوش مفتوح " مما جعل منها طرازا متميزا يختلف تماما عن القصور الأخرى و غالباً ما كانت هذه الساحة الأكثر استعمالا من قبل الجميع في المناسبات الاجتماعية كالزواج و الأعياد و غيرها . enter image description here و تركزت معظم الزخارف بشكل أساسي في الأقواس و البوابات الرئيسية للقصور فقد تميز المدخل الرئيسي الثاني للقصر وجود سيفين و يتوسط السيفين ميزان يمثلان رمز لقوة دولة آل عفرار و حكم الحاكم بالعدل .

ضم القصر مجموعة من الدور الكبيرة التي اشتلمت العديد من السمات العمرانية ببواباتها الفخمة و تخصص فراغاتها الوظيفية بشكل ميزها عن بقية المساكن و جعلها في مصاف القصر و أتصف شكل الدرج من الأسفل تحول من الشكل المستقيم العادي إلى منحني ليعطي شكلاً أجمل للدرج كما يلاحظ وجود طلاقات ( نوافذ ) مفتوحة في الدرج كان الهدف منها الحماية و المراقبة و الإضاءة . أن أغلب أرضيات القصر كانت عبارة عن منظومة قديمة ناعمة مبنية من طين اللبن مضأف لها مؤخرا الأسمنت . قسم القصر إلى أربعة أدوار و من أبرز الموسعات التي لها حركة وظيفية في القصر و هم كالتالي :

1- مرافق ذات وظيفة إدارية : • المجلس الملبس : يقع في الدور الثاني وهي عبارة عن غرفة تخصص لاستقبال الضيوف والزوار والوفود في وقت المناسبات و تمثل عنصر أساسي في كل بيت عربي يعبر عن كرم الضيافة لدى العرب و حبهم للتجمع و تبادل الأحاديث .

2- مرافق ذات وظيفة خدماتية : • غرف المراقبة : تمثل أسلوب الدفاع في القصر على هيئة غرف مراقبة تتوزع في كل أرجاء و جوانب القصر . وظيفتها الحماية والمراقبة و التصدي لضربات العدو . • غرفة حفظ التمور : توجد غرفة حفظ التمور عند المدخل الرئيسي من القصر من جهة اليسار و تسمى ( المدبسة ) وكانت المدبسة تستخدم منذ العصور القديمة في فترة دلمون و تايلوس وهي غرفة صغيرة مظلمة و لا توجد بها نوافذ أو فتحات و أرضيتها عبارة عن قنوات أو أخاديد في شكل صفوف متوازية تنتهي في أحد زواياها بجرة فخارية أو حوض يجمع فيه الدبس والذي هو العصير أو السائل اللزج الكثيف ذو اللون الأسود الذي يتم الحصول عليه من التمور و يبلغ مقدار التصفية حوالي كيلو إلى ثلاثة كيلو في كل جدولة بحسب ما ذكر لنا المصدر الشفهي ( حامد أحمد عفرار ) . • غرفة المؤون : توجد غرفة المؤون أو بما يسمى مخزن لحفظ الأغذية في الطابق الأسفل من القصر " من جهة اليمين " تحتضن هذه الغرفة في زاويتها حاجز خاص لحفظ الحبوب . • غرفة الخيول : أختلفت الأراء حول تسمية هذه الغرفة البعض يقال أنها غرفة للخيول و البعض يقول غرفة للحرس . توجد غرفة الخيول في الطابق الأسفل من جهة اليسار ، و تتميز هذه الغرفة قديما بأن لها نفق سري خاص يصعد به السلطان إلى الطابق العلوي . • السجون : توجد السجون في الاتجاه الخلفي من القصر وهي عبارة عن غرفتين مربعة الشكل بدون نوافذ ، وظيفتها توقيف فيها الخارجين عن القانون . بالإضافة إلى وجود فناء داخلي يستخدم كاستراحة للمساجين .

3- مرافق ذات وظيفة سكنية خاصة : • غرفة المصبح : تقع غرفة المصبح في الدور الثالث من القصر تتميز هذه الغرفة بوجود روشان و يطلق عليه باللغة المهرية( روشون ) يعد الروشان من أهم العناصر في العمارة الإسلامية، حيث أنها تضفي جمالاً وأناقة حيث أن الروشان يساعد على الرؤية الخارجية وعدم السماح أو عدم الكشف للداخل . لقد نفذ هذا الروشان من خشب المانجو الإفريقي، ونظراً لانتشار هذه الصنعة فقد ارتفع سعرها بشكل غير عادي وأصبحت مكلفة جداً مما زاد في بعد الناس عنها أكثر ؛ من خلال الإصلاحات الحديثة للقصر تم تحديث الروشان من صنيعه الخشب العادي وهو عبارة عن تلبيس بديكور جاهز الصنع للنوافذ العادية، ويسمى بالمغالطة روشانا . وظيفة غرفة المصبح : البعض يقال أنها غرفة السلطان يصبح فيها السلطان على الشعب من الروشان و البعض يقول أن تستخدم هذه الغرفة للمراقبة . • الغرف الخاصة : هي غرف الحرم السلطاني و غرفة نوم السلطان التي تأتي في الدور الرابع .

ويروى أنه كان يوجد خندق يربط بين القصر والمسجد الخلفي و كان يسمى المسجد الخلفي ( مسجد داشرون ) ؛ و باللغة المهرية ( داسرون ) و المسجد الأمامي للقصر ( مسجد دحديح ) أحدهما من الجهة الشرقية و الآخر من الجهة الغربية .

ومن خلال الدراسة والبحث التي تمت في قصر البيت الحنوب لوحظ أن هناك تنوع في أساليب البناء فمثلاً عند دراسة نوع خشب السقف نلاحظ أن هناك اختلاف ملحوظ بين أعمدة السقف البعض منها من نوع خشب الساج الهندي و البعض من شرائح الخيزران ، وقد بني القصر من الطين اللبن والسعف بشكل عام ، و تميزت العناصر والسمات المعمارية للقصر بالشكل المربع المستطيل و تتميز غرف القصر بعضها بالحجم المربع و البعض بالحجم المستطيل و أسقف هذه الغرف و الممرات مصنوعة من منتجات السعف والتي تعتبر من الأشجار المحلية شائعة الانتشار .

أروع ما يمتاز به قصر السلطان بن عفرار هو سور يحيط بالقصر ؛ أبرز السور ملامح القصر و ظهر بتشكيلة هندسية التقت فيه الإبداعات الجمالية في البناء كتوليفة فنية متناسقة تهدف إلى هيكل تجميلي تحصيني للقصر و يمكن مشاهده جمالية السور من أعلى القصر ذو شكل مستطيل و مما زاد جمال السور هو وجود فواصل أو إطارات مثلثية بارزة مدببة الرأس أعطت السور حله جمالية رائعة حيث ميزته هذه الحله بالقوة و المتاهة بالإضافة إلى ظهور عناصر معمارية وفنية .

توفى السلطان عام 790 هجرية آثار أصابته بمرض الجذام و تم دفنه في حي قشفيت و كانت قشفيت قديما معزلة لمرضى الجذام خلف السوق في مدينة قشن. ومن أهم أعماله : بناء القصر ، وقف مساحة زراعية شاسعة للمسجد الجامع القديم في قشن . و يشتهر القصر بأن له أبراج مراقبة من كل الاتجاهات . و يبلغ إجمالي الغرف فيه 22 غرفة .

وقد إجريت العديد من الإصلاحات على القصر من قبل عبدالله بن عيسى آل عفرار عام ( 2004 - 1435 ) تمثلت في إدخال العديد من الترميمات للقصر كترميم القصر من الخارج ووضع له طلاء أبيض يسمى بالنوره و ترميم أرضيات القصر و تغيير بعض عيدان السقف و طلاء النوافذ والابواب و تجديد روشان السلطان إلى روشان مشآبه من الخشب الحصري للحفاظ على الموروث السلطاني القديم .

هكذا يمكن القول إن مجمل الأسباب التي كانت وراء بناء القصر كانت أسباب دفاعية وأخرى هجومية باعتبار أن القصر والقلعة هي المكان التي تكمن فيه الحرب ، كانت القلاع مكانا لفرض القانون و السيطرة و بالتالي ترتب على بنائها عدة وظائف مدنية وعسكرية كانت تشكل فصلاً كبيرا من تاريخها.
enter image description here

enter image description here صادر عن الإدارة العامة للمعلومات و الإحصاء و التوثيق م / المهرة