رأس فخامة الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي ومعه عضو المجلس الدكتور عبدالله العليمي باوزير بقصر معاشيق، جانباً من جلسة للحكومة اليوم الأحد بحضور رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك، كرست لمناقشة أولويات المرحلة الراهنة، ودعم جهود الحكومة لاستكمال الإصلاحات الشاملة في البلاد.
وفي مستهل الاجتماع وجه فخامة الرئيس التهنئة للشعب اليمني والحكومة بمناسبة يوم الاستقلال المجيد، متمنياً أن تعود هذه المناسبة وقد تحقق لشعبنا تطلعاته المنشودة في الأمن والاستقرار والسلام.
وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي إن تحديات المرحلة تقتضي التركيز على ثلاث قضايا رئيسية، الأولى تتمثل بتوفير الرواتب والخدمات وواردات السلع الأساسية، والثانية بالأمن والأمان، والثالثة بحشد الجهود وتكاملها من أجل معركة الخلاص، مشدداً على عدم تبديد الوقت والجهد في قضايا جانبية أخرى.
وأكد فخامة الرئيس أن الإصلاحات الاقتصادية هي الأولوية الرئيسية اليوم باعتبارها الاختبار الحقيقي للدولة ومدى قدرتها على القيام بمهامها الدستورية والقانونية.
وقال "نحن هنا اليوم لنتشارك معاً مسؤولية الدفع قدماً نحو تنفيذ قرار مجلس القيادة رقم 11 الذي يلزم الحكومة بتوحيد كل الإيرادات وتوريدها إلى الحساب العام للبنك المركزي، ومنع التحصيل خارج القنوات القانونية أو عبر جهات محلية غير مخولة".
وشدد فخامته على مسؤولية الحكومة في تنمية الموارد وتوسيعها بما في ذلك تحريك سعر الدولار الجمركي والالتزام الصارم بتقديم مشروع الموازنة العامة في موعدها المحدد.
ووجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي الحكومة بإجراء حصر شامل لأملاك الدولة من أراض وعقارات وأصول مؤجرة، ووضع خطة لتحويلها إلى موارد فعلية، ودراسة إنشاء صندوق سيادي يضمن إدارتها وتنميتها وفق معايير الحوكمة الدولية.
وأكد فخامة الرئيس على المسؤولية المشتركة في إصلاح السياسة النقدية ودعم استقلالية البنك المركزي للقيام بمهامه في إدارة السوق، وتعزيز أدوات الرقابة على البنوك، وضبط نشاط شركات الصرافة بالتنسيق مع سلطات إنفاذ القانون.
وتطرق رئيس مجلس القيادة الرئاسي للتحديات الماثلة أمام العمل الإنساني والإغاثي، حيث جاء في أحدث المؤشرات أن أكثر من 17 مليون يمني بحاجة للمساعدات في ظل ورود تقارير عن بعض القيود أمام تدفق المساعدات الإنسانية وأنشطة المنظمات الدولية.
وشدد فخامته على أهمية تأمين العمل الإنساني وإزالة العوائق أمام المنظمات والوكالات الإغاثيةوتسهيل حركتها والتصاريح المطلوبة للقيام بأنشطتها على أكمل وجه.
كما وجه فخامته بالتسريع في إنشاء هيئة وطنية للإغاثة كمدخل لإنهاء تضارب الصلاحيات، والتدخلات في العمل الإنساني وضمان الرقابة والمحاسبة.
وفيما يتعلق بالجانب الأمني، أشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالإنجازات الأمنية المحققة خلال الفترة الماضية بما في ذلك ضبط عديد الخلايا الإرهابية المتخادمة مع المليشيات الحوثية، فضلاً عن شحنات الأسلحة والمخدرات الإيرانية المهربة لها.
وأكد فخامة الرئيس أن المضي في مصفوفة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية والمؤسسية يستوجب في المقابل وجود منظومة أمنية وعدلية فاعلة، "لأنه لا يمكن بناء اقتصاد في ظل أمن هش، ولا تنمية أو استثمار في ظل غياب قضاء مستقل، قائلاً إن الأمن والقضاء هما السياج لأي إصلاحات.
كما تطرق رئيس مجلس القيادة للعلاقة بين المجلس والحكومة ومسؤوليتهما التشاركية في تطبيق القرار (11) بما في ذلك ضمان استقلالية السلطة التنفيذية، ومنع التوجيهات الثنائية أو الاتصالات خارج القنوات الرسمية، واحترام التسلسل المؤسسي، وضبط العلاقة مع المحافظات، وتكثيف التواصل معها، مؤكداً أن الانسجام المؤسسي ليس خياراً بل شرطاً لتماسك مؤسسات الدولة.
ونوه فخامة الرئيس بدور الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة في الحفاظ على تماسك الدولة اليمنية وصمود مؤسساتها، ودعم أولويات المرحلة الانتقالية، وتعزيز قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها، والتخفيف من معاناة الشعب اليمني في واحدة من أصعب اللحظات في تاريخه المعاصر.
واعتبر أن هذا الدعم الشقيق ليس مجرد مساعدات بل هو استثمار في استقرار اليمن وفي مستقبل آمن للمنطقة كلها، موجهاً الحكومة بإحسان إدارة هذا الدعم، وجعله رافعة حقيقية لتحسين حياة الناس وبناء مؤسسات دولة فاعلة وقادرة.
كما جدد فخامة الرئيس التأكيد على أن استعادة مؤسسات الدولة يبدأ بتعزيز مكانة القوات المسلحة ودورها في معادلتي الحرب والسلام، مشدداً على أهمية تامين المتطلبات اللازمة لإبقاء جاهزيتها عند مستوياتها العالية والوفاء لتضحيات أبطالها، وفي المقدمة الإعلان الفوري عن إنشاء هيئة رعاية الجرحى دون أي تأخير.
ووضع رئيس مجلس القيادة الرئاسي الحكومة أمام موجهات السياسة الخارجية وتعزيز عمل البعثات الدبلوماسية وجعلها قنوات فاعلة لمناصرة الشعب اليمني والترويج لسرديات النصر والأمل لا الإحباط.
وحث فخامته الحكومة بالعمل على توجيه الدبلوماسية لخدمة المصالح الوطنية، خصوصًا على ضوء تصنيف مليشيات الحوثي منظمة إرهابية، وما جاء في تقرير فريق الخبراء.
كما حث على توثيق جرائم الحوثيين وانتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان والعمل على الإفراج عن المحتجزين ووقف تنفيذ الاحكام الصورية في مناطق سيطرة المليشيات وكشف جرائمها باعتبار ذلك واجباَ أخلاقياً ووطنياً.
وحيا فخامة الرئيس في كلمته المرأة اليمنية التي أثبتت في كل المحطات بأنها شريك في الصمود وشريك في البناء، قائلاً إنه من غير المنصف أن نطلب منها أن تتحمل الأعباء ثم نحجب عنها مواقع القرار.
أضاف: أقول لكم بكل وضوح إنه ليس من العدل ولا من المنطق أن نعقد اجتماعاً بهذا الحجم والمسؤولية بينما تغيب عنه المرأة اليمنية تماماً، وليس من المقبول أن تبقى الحكومة اليمنية بلا حقيبة وزارية واحدة تقودها امرأة في بلد تشكل فيه النساء أكثر من نصف عدد سكان البلاد، ويمتلكن من الخبرة والكفاءة ما يجعل غيابهن خللاً قانونياً ومؤسسياً يجب تصحيحه".
من جانبه عبر رئيس مجلس الوزراء سالم صالح بن بريك عن شكره لفخامة رئيس مجلس القيادة الرئاسي على ترؤس هذا الاجتماع وكلمته التوجيهية في لحظة تتطلب وضوحاً كاملاً وتحمّلاً للمسؤولية والتزاماً وطنياً من الدولة والحكومة، مؤكداً أن هذا الاجتماع رسالة واضحة لكل مؤسسات الدولة أن المرحلة لا تحتمل التردد ولا تقبل الاجتهادات الفردية، وأن الدولة تُدار بمنهجية ومسؤولية وتكامل بين كل سلطاتها.
وأوضح دولة رئيس الوزراء أن الحكومة تعمل تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي وبالتنسيق الكامل معه، مثمناً دعم المجلس المستمر لجهود الحكومة في إعادة بناء المؤسسات وتثبيت الاستقرار الاقتصادي والخدمي، وقال "وفي هذا الإطار أود أن أؤكد على حقيقة أساسية: العلاقة بين الحكومة ومجلس القيادة علاقة تكامل لا تداخل، وتنسيق لا تنازع، واحترام متبادل للصلاحيات التي حدّدها الدستور والقوانين النافذة، وإن الحكومة مسؤولة أمام الشعب عن الأداء التنفيذي، ولا يمكن لها أن تقوم بواجباتها ما لم تُصن صلاحياتها ويُحترم نطاق عملها وفق القانون".
ولفت بن بريك إلى أن عدم التدخل في مهام واختصاصات الحكومة التنفيذية ليس مطلباً سياسياً، بل متطلباً لبناء الدولة ومنع ازدواج القرار وضمان وحدة التوجيه الإداري والمؤسسي، وقال "لقد أثبتت التجارب أن أي تدخل في صلاحيات الحكومة أو أي التفاف على مسارها التنفيذي أو فرض إملاءات ينعكس مباشرة على حياة الناس وعلى قوة الدولة وعلى قدرتنا جميعاً على مواجهة التحديات".
وأضاف "نحترم توجيهات مجلس القيادة الرئاسي ونلتزم بها، ولكن وفق القانون وضمن الأطر المؤسسية، وبما يحفظ وحدة القرار التنفيذي ويمنع الازدواج والارتباك".
وأشار رئيس الوزراء إلى القرار الذي اتخذه مجلس القيادة الرئاسي مؤخراً بالموافقة على خطة الحكومة للإصلاحات الاقتصادية الشاملة، واعتبره قراراً وطنياً مهماً يعبر عن إرادة سياسية موحدة لإطلاق مسار إصلاحات وطنية جذرية، مؤكداً حرص الحكومة على عدم تحول هذا القرار إلى مجرد ورق أو إعلان سياسي.
وقال "خطة الإصلاحات هي منظومة متكاملة مترابطة، لا يمكن تنفيذ بعضها وترك البعض الآخر، وهي منظومة متكاملة تبدأ بترتيب المالية العامة وتمتد لحوكمة الإيرادات وتنتهي ببناء مؤسسات تحترم القانون، ولا يمكننا أن ننجز هذه الإصلاحات بالانتقاء أو المجاملات، بل بالتنفيذ الشامل لكل بنودها اقتصادياً ومالياً وإدارياً وخدمياً ومؤسسياً، وعلينا أن لا نسمح للعوامل الشخصية أو الحسابات الجانبية بأن تعرقل مشروعاً هو الأكبر والأجرأ في تاريخ الدولة اليمنية الحديث".
وتطرق دولة رئيس الوزراء إلى العلاقة مع السلطات المحلية وأنها شريك أساسي للدولة، وقال "لا يمكن لأي محافظة أن تعمل في مسار مستقل أو بآليات خارج القانون، الإيرادات العامة ليست ملكًا لأحد، ولا مجال لتجاوز وزارة المالية أو القوانين المنظمة، ولا سيادة ولا دولة مع ازدواج القرار وتعدد المرجعيات".
كما أكد أن نجاح الإصلاحات يتطلب إرادة جماعية والتزاماً سياسياً موحداً ودعماً صريحاً من كل السلطات، وأولها مجلس القيادة الرئاسي، موضحاً أن الحكومة تعمل بروح الشراكة والمسؤولية مع رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي لبناء نموذج وإدارة عامة فاعلة، ودولة قوية تستعيد ثقة مواطنيها وشركائها.
وقال "الشعب يراقب، والتاريخ يسجل، وهو سيحكم بما لنا وما علينا، ولن نقبل أن نكون شماعة لأي خطأ لا نتحمله، ولن نتردد في مصارحة الناس بالحقائق كما هي، مهما كانت مُرَّة".
وأضاف "لسنا في معركة سياسية صغيرة، ولسنا في منافسة على مواقع، نحن في معركة وجود، وفي حرب ما تزال مفتوحة مع مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، بينما انشغلنا- للأسف- في بعض الأحيان عن الخطر الحقيقي الذي يهدد الدولة والمجتمع والمستقبل والمنطقة والعالم بخلافاتنا الداخلية التي أضعفت جبهتنا وشتّتت أولوياتنا".
وأكد دولة رئيس الوزراء في ختام كلمته أن الحكومة ستتحمل مسؤولياتها كاملة، وستدافع عن صلاحياتها القانونية، وستعمل بكل قوة لتنفيذ الإصلاحات دون تردد أو مساومة، وستحافظ على وحدة القرار المؤسسي لتكون الدولة فوق الجميع، والقانون فوق الجميع، والمصلحة الوطنية هي البوصلة والغاية.